Header Ads Widget

الملك الحسن الثاني : حوار ثقافي



خص الملك الحسن الثاني مجلة"كلاس" الإيطالية   بحديث    صحفي في مارس 1987. و هي مجلةتعنى بالفنون الجميلة بعيدا عن السياسة.    و ذلك على خلفية الإستعداد لزيارة مرتقبة لإيطاليا.  و من خلال هذا الحوار   الصحفي      نكتشف جوانب خفية    في    شخصية  الحسن الثاني و عن   طفولته    و تربيته    التي تلقاها و التي يلقنها لاولاده، و ذوقه في اللباس و الاكل و ثقافته     الادبية.... و يليه نص الحوار الذي تم يوم  الثلاثاء 1 شعبان 1407 الموافق 31 مارس   1987:

سؤال: ما راي جلالتكم في   مهنة الملك في سنة 2000؟    فقد بدا    الناس في اوروبا على الاقل يفهمونها كمهنة  بائدة.

جواب: رايي كما يقول مثل فرنسي  (ما المهنة بغبية و إنما الناس  هم الاغبياء). فليست المهنة قبيحة    و إنما     الناس قبيحون. قيمة     المهنة في     قيمة من يحترفها. و هي رهينة بكل شخص. فإذا كان الملك جيدا فالمهنة جيدة.   غير ان الملكية عندنا    او في    اوروبا   ليست المفارقة تاريخية. فللملكيات   الاوروبية اليوم دساتير. و قد دل التاريخ الحديث على انه إذا كان للعاهل شخصية و نفوذ فهو لا يحكم فقط، و إنما يشعر بوجوده على العرش.

سؤال: ما هي    التعاليم التي    تلقنونها لإبنكم الاكبر    ولي العهد   سيدي محمد إعدادا له لكي يصبح ملكا جيدا؟

جواب: للاسف ليس   الامر مثل    ما هو عليه فن الطهي. ففي هاتهالمسالة ليست ثمة طريقة للإعداد المطبخي. لان الناس يتغيرون و طبائعهم شتى. فطريقة جدي ليست   طريقة ابي. و طريقة ابي ليست طريقتي   التي ليست      طريقة   إبني. المهم ان  يلقن عددا من المبادئ.    قبل كل شيء    الإستقامة الخلقية.  ان لا يكذب ابدا.ان يكون خادما لكل        واحد دون ان يكون عبدا لاحد.     و اكرر الملك يجب ان يكون خادما للجميع دونان يكون عبدا لاي كان. و إلا وقعنا كليافي    ماساة الملكيات حيث يكون   الحجاب او الوزراء الاولون او        الكاردينالات    هم الملوك الحقيقيون يحكمون عوضا عنهم.

سؤال: ما هيالمهنة التي كانت   جلالتكم تريد إحترافها لو لم تكن ملكا؟

جواب: كنت اريد ان ادرسالتاريخ و لكن ابي قال علي ان اتوجه نحوالقانون، فاطعته. و بعد ذلك ادركت  انه كان على صواب.

سؤال: في رفوف    خزانة جلالتكم  ارى ستة كتب في التشريح. هل كنتم تحبون ان تصبحوا طبيبا؟

جواب: كنت اقول لنفسيان  حكم  الناس بالقوانين شيء حسن،     و لكني ادركت ايضا اني سافعل ذلك     جيدا لو عرفت غددهم و جهاز إفرازها   و إرتكاسها... و لهاته الغاية شعرت بجاذبية   نحو الطب الذي درسته خلال سنتين    و  نصف في المنفى دون ان اتابع     دروسا منتظمة. لانه لم تكن     في ذلك    الوقت  جامعة للطب في مدغشقر. إن    الطب علم  جد مفيد. فالطبيب الذي يجمع بين  الطب و القانون لهو من      الرجال   اللامعين. و لسوء الحظ لم استطع ان افعل ذلك.

سؤال: هل تطرح على جلالتكم مثلما هو حال كل شخص محترف لمهنة    مشكلة تقسيم  وقتكم     بين      شؤون  الدولة وشؤون اسرتكم؟

جواب: لا. المسالة بالنسبة      لي     غير مطروحة. فلا بد مما ليس منه بد.        وحينما يناديني العمل لا بدان اتخلى عن راحتي الشخصية لاذهب    حيث يحتاج إلي.

سؤال: صرحت جلالتكم انكم     تجدون كل يوم فسحة من الوقت     تخصصونه لاولادكم.

جواب: نعم هذا صحيح.

سؤال: و انكم في الواقع      اب صارم.  جواب: إن الآباء      اليوم   مستعفون من دورهم و هذه كارثة على المجتمع.

سؤال: هل ينبغي ان يكون    الاب الملك اقسى من سائر الآباء؟

جواب: لا اكثر و لا اقل.و عندي انه ليس لاب ان يشرح سبب   إتخاذه    قرارا من القرارات قبل ان يبلغ   ابناؤه سنا معينا. فلا فائدة في ان تفسر  لطفل    ذي ست سنوات السبب الذي من اجله إتخذ  ابوه تدبيرا ما، لانه لا يقوى على   فهمه.  لكن إبتداء من السن الثانية     و الثالثة عشر لا بد ان يفسر له (لهذا عوقبت)    و (لهذا حرمت من  السيارة طيلة اسبوع) و هذا ما وقع لي،       (و لهذا لن تتمتع بالعطلة هاته السنة) و هذا ما حدث لي.  كل هذا يقع عند بلوغ سن معقول. و بعكس ذلك إذا قدمت      تعليلات لطفل فإنه اولا لا يستطيعفهمها ثم انه قد يؤولها على انها ضعف من ابيه.

سؤال: خلال سنوات التكوين     لجلالتكم هل تعرضتم لتدابير قاسية خاصم من لدن والدكم؟

جواب: عندما كنت فيالعاشرة  من عمري امر والدي بتعليمي   البيانو و السولفيج. و بعد مدة معينة   منعني من ذلك   لاني كنت شغوفا بالموسيقى. فكان يرى انه لا يجوز ان تكون لي في  الحياة  هوايتان. فإما مهنتي الملكية    و   إما الموسيقى. و منذ ذلك اليوم حرم علي اناعزف على البيانو.   و دون إستثناء هذه هي قصتي مع الموسيقى.

سؤال: قصة لم تنته لانجلالتكم تعزفون بعدة آلات موسيقية و تسيرون 

جواب: ليست الموسيقى      فصلا طوي عندي و لن يطوى. فلنقل انه   انتقل إلى الرتبة الثانية و إن كان   بالامكان انيظل في الرتبة الاولى.

سؤال: كان     لجلالتكم في صغركم  ولع آخر، شاطوبرايان.           فهل لا تزالون مؤثرين للادباء الكلاسيكيين الفرنسيين؟

جواب: ان نحب كتب الادب  الكلاسيكي الفرنسي ليس معناه إهمال انواع  الادب الاخرى.     بتكويني قرات   و لله الحمد تحفا رائعة مثل الإليادة و الاوديسية، و لكُتاب مثل بلوطارك و غيره.      و لسوء الحظ لم اتمكن من     مطالعة  الطرائف الرائعة التي كنت احبها وبلغتها الاصلية.

سؤال: المغرب     من    خلال  العربية و الفرنسية بلد الثقافة المزدوجة.

جواب: من لا يتكلم    اليوم     سوى لغة واحدة اصبح في عداد الاميين.

سؤال: صار المغرب ركيزة الفرونكفونية. فاي مدى بلغه تغرب البلاد؟

جواب: يجب التحدث عن     اللاتينوفونية اكثر من الفرونكفونية.     لان المرء عندما يتكلم باللاتينية لا يتوقف     عند  مسدس جغرافي و لكنه يذهب من      ترييستا إلى مالقا. و إذن عن جميع الحضارة   اللاتينية العربية التي تزخر بثروات عظيمة    لا عن الماضي فقط.    بيد    ان    ماضي  رجال يسكنون    على ضفاف     البحر    الابيض المتوسط    اجمل   من حاضرنا. فلن ننتج الكافي لنتنافس اليوم.        علينا ان نبذل جهودا جبارة   لنميز    بها   دورنا كشعوب متوسطية دون   ان نعيش    على الماضي فقط.

سؤال: لكن    حب    الماضي  بديهي في اشغال ترميم قصور    جلالتكم بمراكش مثلا و ايضا بفاس حيث رمم   كل شيء حسب طراز الحسن الثاني.

الجواب: انتم ترون ان    الطراز المغربي المنبثق عن الطراز      الاندلسي المغربي الذي يمكن تَملّيه بقصر الحمراء بغرناطة و قرطبة و إشبيلية و مساجدنا  العتيقة لمن الثراء و النُّشدان.    بحيث لو اضفت إليه تعقيدا زائدا    لحصلت  على نتيجة مفجعة. على انني ارى لزوم    إحترام ما هو جميل بالإقتصار على البساطة   دون زيادة ادنى شيء. و الامرالذي استطعت عمله هو ان نصنع بالجبص ما كان يصنع بالنحاس    و بالنحاس      ما كان يصنع بالخشب. ثم نلائم بين المجموعتين. فالذهاب إلى ابعد من ذلك خطا. لانه كما يقول المثل (الاحسن عدو الحسن).     و بإختصار كان     ينبغي    إحترام التقليد العريق الكبير و إبراز    الطابع    بلمسات صغيرة فقط.

سؤال: حرصت    جلالتكم     على ترميم المبنى الذي كان ياوي الإقامة   العامة و مكتب الماريشال ليوطي.  و ستكون فيه صور جميع المقيمين العامين  الفرنسيين بمن فيهم صورة المقيم العام   الذي نفى جلالتكم و ابيكم.

جواب: طبعا.    فليست      لنا عقدة في تاريخنا من اجل اربعين سنة منالحماية. فما شان 40 سنة بالنسبة ل  1400 سنة من التاريخ. لا شيء على الإطلاق.   و لا محيد لنا ان نظهر ذلك للاجيالالصاعدة. ثم هناك شيء اخر جد مهم و هو ان ابي كان على ما اظن الملك الوحيد الذي نفي ثم عاد إلى العرش. و سبب ذلك  كله هو غباوة إرتكبها مقيم عام فرنسي. هذا كل ما في الامر. و اكرر ليس هناك من عقدة نفسية.

سؤال: لقد     الفتم كتاب         مذكرات "التحدي" الذي يتوقف عند سنة   1976. فهل     لجلالتكم     كتاب  آخر في طور الإعداد؟

جواب: نعم يمكن ان تكون     هناك تتمة طبعة      اخرى منقحة من "التحدي". إن "التحدي" يتطرق بكيفية     جد سطحية فقط لاشياء اعرفها لاني قابلت عددا من الشخصيات التاريخية.      فلنقل ان هذا الكتاب يتناول العشر او الربع على الاكثر مما يمكن ان احكيه.

سؤال: بما انكم بداتم مبكرين   في تعلم مهنة الملك فقد كان لجلالتكم الوقت في معرفة كبار رجال الدولة في عهد الحرب و بعده. جميع الرؤساء    الامريكيين منذ روزفيلت و دوكول و تشرشل   و تيتو و فرانكو. من هي الشخصية       التي انتم اكثر إعجابا بها من غيرها و لماذا؟

جواب: لنقل ان جميع   الشخصيات التي ذكرتم اسماءها جديرة      بالإعجاب في نظري. و اظن    انكم نسيتم اخرين مثل البانديت   نهرو و سيكوتوري بل و حتى جمال عبد الناصر على الرغم من اغلاطه المضرة بالعالم العربي.        كانوا جميعا رجالا عظماء. لكني       اشعر    شخصيا بجاذبية خاصة نحو يوحنا   بول الثاني، لانه ليس رجل دولة مائة في المائة  و لا هو بابا مائة في المائة. إنه الرجلان  معا لانه شخصية كانت له حياة   خصوصية تماما. كان عاملا     و كان نقابيا و عركه الدهر. و عندما يتحدث عن الإنسان فإنه يعني ما يقوله. و حوله       هالة قدسية خاصة. ففي المرة الاولي       التي لقيته فيها كنا سنتحادث عشر دقائق   فإذا بنا تحادثنا طيلة ساعة.

سؤال: و بعد ذلك     جاء     البابا لزيارة المغرب.

جواب: نعم. في شهر غشت 1985. كانت هي المرة الاولى التي     يزور فيها البابا بلدا ليست فيه طائفة نصرانية.

سؤال: لنعد إلى     الفنون      الجميلة يا صاحب الجلالة. يقال ان لكم    ميلا نحو الرسم المعاصر. هل هذا صحيح؟

جواب: نعم. و لكن يجب  ان اعترف في نفس الوقت اني      لم اتوفق في إدراك رمزية الرسم العصري الحديث.    و لربما سيفهم ذات يوم. و لكني   لا افهمه الآن. بل لا استطيع ان اقول انه     لا يروقني لاني ساكون ادعي ذلك    علما اني لست عارفا و لا ناقدا فنيا. و حاصل الامر اني لا افهمه. و إني لكياحب يجب ان افهم.

سؤال: ما هي المعايير التي    تعتمد عليها جلالتكم للحكم على    عمل فني و تذوقه؟

جواب: عندي ان على الإنتاج    الفني ان يخضع لمعيار التوازن.        ففي التمثال توازن الحركة و في    اللوحة توازن بين الإمتلاء و     الفراغ في     الالوان و في الخلفيات و في الموضوع       الاساسي. فكل عمل فني إنما هو قضية       توازن.